بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال .. معا، يمكننا أن نجعل المستقبل خاليا من عمل الأطفال
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في عام 1989، اتفاقية حقوق الطفل التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وأوجبت على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه، وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص.وقد صادقت معظم الدول العربية والعديد من دول العالم على ذلك، وكانت الجمعية العامة قد أقرت في نفس العام الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي كان قد تم إعداد مسودته في عام 1957، حيث نص الإعلان على "وجوب كفالة وقاية الطفل من ظروف الإهمال والقسوة والاستغلال، وان لا يتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل، وان لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وان لا يسمح له بتولي حرفه أو عمل يضر بصحته، أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي. ويتضمن موضوع عمل الأطفال في المواثيق والمعايير الدولية وخاصة اتفاقيات العمل الدولية المتعلقة بالحد الأدنى لسن العمل وأسوأ أشكال عمل الأطفال واتفاقية حقوق الطفل وإعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل بالإضافة إلى اتفاقيات العمل العربية الصادرة عن منظمة العمل العربية.هناك ملايين الأطفال يعملون لمساعدة أسرهم بطرق لا تنطوي على ضرر أو استغلال. ومع ذلك، تشير تقديرات اليونيسف إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، وحوالي 16 في المائة من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال. وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في جميع أنحاء العالم. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعمل واحد من كل 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام 17 عاماً، مقارنة بواحد من كل 8 أطفال في آسيا والمحيط الهادي وواحد من كل 10 أطفال في أمريكا اللاتينية.كان القضاء على عمل الأطفال من أبرز الأهداف التي نصبتها منظمة العمل الدولية لنفسها منذ نشأتها في عام 1919. ومن الأدوات الرئيسية التي اعتمدتها المنظمة بمرور الزمن لتحقيق هدف القضاء الفعلي على عمل الأطفال، اعتماد ومراقبة معايير عمل تجسد مفهوم الحد الأدنى لسن العمل أو الاستخدام. إضافة إلى ذلك، ومنذ عام 1919 فصاعدا، أُدرج مبدأ ربط معايير الحد الأدنى للسن بالدراسة كجزء لا يتجزأ من التقليد المتبع في منظمة العمل الدولية في وضع المعايير في هذا المجال. وتنص الاتفاقية رقم 138 على أن الحد الأدنى لسن القبول في الاستخدام يجب ألا يكون أدنى من الحد الأدنى لسن الانتهاء من التعليم الإلزامي.وأدى اعتماد منظمة العمل الدولي للاتفاقية رقم 182 إلى تعزيز توافق الآراء العالمي بشأن ضرورة القضاء على عمل الأطفال. كما سمح اعتماد هذه الاتفاقية بتسليط الأضواء على هذا الموضوع على النحو اللازم دون إغفال الهدف الشامل المحدد في الاتفاقية رقم 138، ألا وهو القضاء الفعلي على عمل الأطفال. إضافة إلى ذلك، فإن مفهوم أسوأ أشكال عمل الأطفال يسهم في تحديد الأولويات ويمكن استخدامه كنقطة انطلاق في معالجة مشكلة عمل الأطفال ككل، ويسهم المفهوم أيضا في توجيه الانتباه إلى أثر العمل على الأطفال فضلا عن العمل الذي يؤدونه.تشكل عمالة الأطفال في العراق حالة من التراجع الإنساني والأخلاقي والتربوي، بالرغم من وجود الكثير من الإمكانيات والثروات، التي تتوفر في هذا البلد، إلا إن كل ذلك لا يقود إلى تجاوز هذه الظاهرة التي نشاهدها بشكل يومي، وفي أماكن ومجالات ومناطق مختلفة من البلاد. وتاريخ هذه الظاهرة من حيث الاتساع والانتشار بدأ مع الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة بقرارها المرقم 661 الذي صدر في يوم 6 آب 1990 نتيجة إلى الغزو العراقي للكويت، في ظل هيمنة نظام بوليسي ودكتاتوري، يبني القصور ولا يبني العقول، لتشهد فيما بعد هذه الظاهرة ارتفاعا ملحوظا مع وجود الاحتلال الأمريكي وسيطرة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، الذي أهدر مليارات الدولارات على مشاريع غير معنية بالتنمية والبناء بقدر ما تعنى بتأبيد عوامل الفساد والاستغلال المادي والمعنوي، من خلال وجود آلية المشاركة في الثروة والسلطة بشكل "تغانمي" مصالحي وفئوي إلى حد بعيد، والنتيجة هناك التراكم المستمر للفقراء والأيتام من مخلفات الصراع الطائفي والإقليمي، الدولي حول العراق. لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد الأطفال الذين يعملون في العراق لدى الوزارات المعنية بالأمر متمثلة بوزارة التخطيط أو العمل والشؤون الاجتماعية أو مفوضية حقوق الإنسان، فضلا عن فقدان التشريعات والقوانين التي تحمي الأطفال بشكل فاعل من الاستغلال، ضمن حدود الممارسة والتأثير الواقعي الملموس ، وخصوصا ما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتحقيق المنافع والأرباح ، بالرغم من إقرار الدستور الجديد حضر الاستغلال الاقتصادي للأطفال كما جاء في المادة (29) الباب الثاني في الفقرة الثالثة "يحضر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورة كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة لحمايتهم" إلا إن واقع الحال بالنسبة لعمالة الأطفال ما زال مرتفعا وفي اتساع متواصل ليس بسبب عدم تطبيق قوانين الضمان الاقتصادي والصحي لدى العاطلين عن العمل أو عدم مساعدة الأسر الفقيرة اقتصاديا فحسب، بل بسبب عدم وجود إستراتيجيات مستقبلية، تخطط وترسم ملامح وصورا ايجابية فيما يخص عوامل التنمية في قطاعات واسعة كالاقتصاد والصحة والتربية والتعليم .. الخ .إن مخاطر ظاهرة عمالة الأطفال وآثارها على المجتمع العراقي لا تكمن في طبيعة الاستغلال الاقتصادي والمادي للطفولة العراقية أو تكمن في ترك هؤلاء الأطفال دون تمتع بمراحل حياتهم الزمنية "من تربية وتعليم واندماج مجتمعي في عالم البلوغ والاكتمال ضمن سلوكيات حضارية وإنسانية"، فحسب بل يضاف إليها ما هو أخطر بشكل كبير يكمن في تأبيد عناصر الفساد السياسي للطبقة الحاكمة، من خلال وجود أعداد كبيرة من الأطفال، دون تعليم وتربية حقيقية تذكر، فكلما ارتفعت نسبة الأمية في العراق كلما تمكنت السياسة من استغلال المجتمع وبقائه ضمن حالات مختلفة من الجهل والتطرف والتخلف، فضلا عن شيوع ثقافة الانقسام والانتقام لدى الأجيال المعاصرة، المغيب عنها ابسط الحقوق المادية والمعنوية. ومن أهم آثار ومخاطر عمالة الأطفال في العراق نستطيع أن ندرجها كالتالي : - 1- تعطيل الزمن التربوي والمعرفي لدى الأطفال . 2- ولادة أجيال مشوهه غير قادرة على تكوين الاختلاف الايجابي، مع نتاجهم الأسري الجديد .3- ارتفاع مستويات الأمية والجهل بشكل مستمر. 4- اتساع مستويات الجريمة والعنف والتطرف داخل المجتمع . 5- ديمومة نظام الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي .ان القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال يحتاج إلى جهود مشتركة من قبل جميع المؤسسات سواء الحكومية منها او غير الحكومية، كذلك منظمات المجتمع المدني وحتى المؤسسة الدينية, فالجميع معني بهذا الأمر مع الأخذ بالاعتبار التفاوت بالإمكانيات والصلاحيات، فالحكومة لها القدرة والصلاحية والمسؤولية أكثر من باقي الجهات بل هي المسؤول الأول للحد من هذه الظاهرة والعمل على توفير بيئة سليمة للأطفال ينالون فيها حقوقهم بالتعلم والطبابة واللعب وممارسة هواياتهم التي تتناسب وأعمارهم.كذلك يتطلب هذا الموضوع وقفة مجتمعية شاملة وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني بالتوعية والمطالبة بتوفير بيئة عيش سليمة لهؤلاء الأطفال الذين باتت تغص بهم الشوارع والتقاطعات بالإضافة إلى المعامل والأسواق وتجمعهم حتى إمام دور العبادة للاستجداء!، فضلا عن استغلال بعض الأطفال من قبل المجاميع المسلحة، وانخراطهم في عمليات إرهابية تضر بمصلحة الجميع.
http://www.infocenteriq.com/News_Details.php?ID=99